کد مطلب:239544 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:142

الاجابة علی السؤال الأول
أما عن السؤال الأول، فان الحقیقة هی : أن جمیع الشواهد و الدلائل تدل علی أنه لم یكن جادا فی عرضه للخلافة :

و قد قدمنا أننا لا یمكن أن نتصور المأمون الحریص علی الخلافة حرصه علی نفسه ، و الذی قتل من أجلها أخاه، و أتباعه، بل و حتی وزراءه هو و قواده، و غیرهم . و أهلك العباد، و خرب البلاد، حتی لقد خرب بغداد بلد آبائه، و أزال كل محاسنها - لا یمكن أن نتصور - المأمون، الذی فعل كل ذلك و سواه من أجل الحصول علی الخلافة .. یتنازل عنها بهذه السهولة، بل و مع هذا الالحاح و الاصرار منه، لرجل غریب، لیس له من القربی منه ما لأخیه، و لا من الثقة به ماله بقواده، و وزرائه ؟! . أم یعقل أن تكون الخلافة أعز من هؤلاء جمیعا، و الرضا فقط هو الأعز منها ؟!! .

و هل یمكن أن نصدق، أو یصدق أحد : أن كل ذلك، حتی قتله أخاه، كان فی سبیل مصلحة الامامة و من أجلها، و لكی یفسح المجال أمام من هو أجدر بالخلافة ، و أحق بها من أخیه، و منه ؟!! ..

و كیف یمكن أن نعتبر اصراره الشدید علی الامام، و الذی استمر أشهرا عدیدة، قبل استقدامه الی مرو و بعده، و الذی انتهی به الی حد تهدیده ایاه بالقتل - كیف یمكن أن نعتبره رفقا منه بالامة، و حبا لها، و غیرة علی صالحها .. مع أننا نسمعه من جهة ثانیة هو نفسه یصرح : بأن نفسه لم تسخ بالخلافة، عندما عرضها علی الامام ؟ !! [1] .

و اذا لم تسخ نفسه بالخلافة ؛ فلماذا یهدده بالقتل ان لم یقبلها ؟!!.



[ صفحه 287]



و كیف یمكن أن نوفق بین تهدیداته تلك، و جدیة عرضه للخلافة .. و بین قوله : انه لم یقصد الا أن یولیه العهد ؛ لیكون دعاء الامام له، و لیعتقد فیه المفتونون به الخ .. ما سیأتی ؟!!.

و اذا كان قد نذر أن یولیه « الخلافة »، لو ظفر بأخیه الأمین، حسبما ورد فی بعض النصوص التاریخیة، فلماذا، و كیف جاز له الاكتفاء بتولیته العهد ؟!

و كیف استطاع اجباره علی قبول ولایة العهد، و لم یستطع اجباره علی قبول الخلافة ؟!

و أیضا .. و لماذا بعد أن رفض الامام (ع) العرض، لا یتركه و شأنه ؟ و أین هی أنفة الملوك، و عزة السلطان ؟!! ..

و اذا كان یأتی به من المدینة لیجعله خلیفة المسلمین، و یرفع من شأنه ؛ فلماذا یأمره و یؤكد علیه فی أن لا یمر عن طریق الكوفة و قم، حتی لا یفتتن به الناس ؟!!.

و أیضا .. هل یتفق ذلك مع ارجاعه للامام (ع) عن صلاة العید مرتین، لمجرد أنه جاءه من ینذره بأن الخلافة سوف تكون فی خطر ؛ لو أن الامام (ع) وصل الی المصلی ؟!! .. حتی لقد خرج هو بنفسه مسرعا، و صلی بالناس، رغم تظاهره بالمرض، و رغم زعمه، أنه : كان یرید من الامام أن یصلی بالناس ؛ من أجل أن تطمئن قلوبهم علی دولته المباركة - علی حد تعبیره - بسبب مشاركة الامام (ع) فی ذلك ..

و أیضا .. هل یتفق عرضه الخلافة علی الامام، و تنازله عنها له، ثم تولیته العهد، و بكاؤه علیه حین وفاته، و بقاؤه علی قبره ثلاثة أیام، حسبما سیأتی بیانه .. هل یتفق كل ذلك، مع كتابته لعامله علی



[ صفحه 288]



مصر : یأمره بغسل المنابر التی دعی علیها للامام (ع) ؛ فغسلت ؟!! [2] .

و بعد .. و اذا كان الامام (ع) حجة الله علی خلقه، و أعلم أهل الأرض علی حد تعبیر المأمون ؛ فلماذا یفرض علیه نظریة لا یراها مناسبة، و یتهدده، و یتوعده علی قبولها، و الاخذ بها ؟! ..

و أخیرا .. هل یتفق ذلك كله، مع ما أشرنا، و لسوف نشیر الیه، من ذلك السلوك اللا انسانی مع الامام (ع)، قبل البیعة، و بعدها، فی حیاة الامام، و حین وفاته، و بعدها .. و كذلك سلوكه مع العلویین، و اخوة الامام الرضا (ع) بالذات . ذلك السلوك الذی یترفع حتی الاعداء عن انتهاجه، و الالتزام به .

الی آخر ما هنالك مما عرفت، و ستعرف جانبا منه فی هذا الكتاب ان شاء الله تعالی ..


[1] قاموس الرجال ج 10 ص 371، و غيبة الشيخ الطوسي ص 49.

[2] و لا منافاة بينهما في نظر المأمون ؛ فانه لم يكن يخشي من ردة الفعل في مصر ؛ لأنها بالاضافة الي بعدها، لم تكن من المناطق الحساسة في الدولة، و لم تكن أيضا شديدة التعاطف مع العلويين ؛ فهي اذن مأمونة الجانب .. و ما كان يخشي منه قد أمنه ؛ بتظاهره أمام الملأ بالحزن الشديد علي الامام عليه السلام ؛ حيث يكون بذلك قد طمأنهم، و أبعد التهمة عن نفسه في المنطقة التي يخشي منها في الوقت الحاضر .. و الي أن تصل أخبار مصر الي هذه المناطق الحساسة ؛ فانه يكون قد تجاوز المرحلة الخطيرة، و لم يعد يخشي شيئا علي الاطلاق.